فصل: السنة السابعة عشرة من سلطنة الظاهر بيبرس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة السابعة عشرة من سلطنة الظاهر بيبرس

وهي سنة خمس وسبعين وستمائة‏.‏

فيها توفي إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر أبو إسحاق الحموي الكناني المعروف بابن جماعة سمع الفخر بن عساكر وغيره وحدث‏.‏

ومولده يوم الاثنين منتصف رجب سنة ست وتسعين وخمسمائة بحماة وهو والد القاضي بدر الدين بن جماعة‏.‏

مات يوم عيد النحر‏.‏

وفيها توفي الأمير ناصر الدين محمد بن أيبك الإسكندري وكان ممن جمع بين حسن الصورة وحسن السيرة ووفور العقل والرياسة ومكارم الأخلاق‏.‏

مات غريقًا مر بفرسه على جسر حجر فزلق الفرس ووقع به في النهر وخرج الفرس سباحة ومات هو‏.‏

فكأن الجلال بن الصفار يا أيها الرشأ المكحول ناظره بالسحر حسبك قد أحرقت أحشائي إن انغماسك في التيار حقق أ - - ن الشمس تغرب في عين من الماء أو بقوله أيضًا‏.‏

وقيل إنهما لأبي إسحاق الشيرازي والله أعلم‏:‏ الطويل غريق كان الموت رق لحسنه فلان له في صفحة الماء جانبه أبى الله أن يسلوه قلبي فإنه توفاه في الماء الذي أنا شاربه وفيها توفي الشيخ المعتقد الصالح أبو الفتيان أحمد بن علي بن إبراهيم بن أبي بكر المقدسي الأصل البدوي المعروف بأبي اللثامين السطوحي‏.‏

مولده سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي في سنة خمس وسبعين في شهر ربيع الأول ودفن بطندتا وقبره يقصد للزيارة هناك وكان من الأولياء المشهورين وسمي بأبي اللثامين لملازمته اللثامين صيفًا وشتاء وكان له كرامات ومناقب جمة رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته‏.‏

وفيها توفي العلامة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن حفاظ السلمي الحنفي المعروف بابن الفويرة‏.‏

مات بدمشق في يوم السبت حادي عشرين جمادى الأولى وقال الحافظ عبد القادر في طبقاته‏:‏ رأيت بخط الحافظ الدمياطي في مشيخته أنه توفي ليلة المجمعة فجأة منتصف شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وستمائة‏.‏

وكان إمامًا عالمًا متبحرًا في العلوم درس بالشبلية بجبل الصالحية وأفتى سنين وبرع في الفقه والحربية وسمع الكثيرة وكان يكتب خطًا حسنًا وله معرفة أيضًا بالأصول والأدب وله نظم رائق وكان رئيسًا وعنده ديانة ومروءة ومكارم أخلاق‏.‏

ومن شعره‏:‏ السريع وشاعر يسحرني طرفه ورقة الألفاظ من شعره أنشدني نظمًا بديعًا فما أحسن ذاك النظم من ثغره وله في معذر‏:‏ مجزوء الكامل عانيت حبة خاله في روضة من جلنار فغدا فؤادي طائرًا فاصطاده شرك العذار وله‏:‏ البسيط كانت دموعي حمرا يوم بينهم فمذ نأوا قصرتها لوعة الحرق قطفت باللحظ وردًا من خدودهم فاستقطر البعد ماء الورد من حدقي وقيل إنه رئي في المنام بعد موته فسئل عما لقي بعد موته فكان جوابه‏:‏ السريع ما كان لي من شافع عنده إلا اعتقادي أنه واحد وفيها توفي الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني الحنبلي كان فقيهًا إمامًا عالمًا عارفًا بعلم الأصول والخلاف والفقه ودرس وأفتى واشتغل أعلى الشيخ علم الدين القاسم في الأصول والعربية ومات في جمادى الأولى‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ الرمل طار قلبي يوم ساروا فرقا وسواء فاض دمعي أو رقا حار في سقمي من بعدهم كل من في الحي داوى أو رقى بعدهم لا طل وادي المنحنى وكذا بان الحمى لا أورقا وفيها توفي الأديب الشاعر شهاب الدين أبو المكارم محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني التلعفري الشاعر المشهور مولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالموصل ومات بحماة في شوال‏.‏

كان أديبًا فاضلًا حافظًا للأشعار وأيام العرب وأخبارها وكان يتشيع وكان من شعراء الملك الأشرف موسى شاه أرمن وكان التلعفري هذا مع تقدمه في الأدب وبراعته ابتلي بالقمار ووقع له بسبب القمار أمور منها‏:‏ أنه نودي بحلب من قبل السلطان‏:‏ من قامر مع الشهاب التلعفري قطعنا يده فضاقت عليه الأرض فجاء إلى دمشق ولم يزل يستجدي ويقامر حتى بقي في أتون من الفقر‏.‏

قلت‏:‏ وديوان شعره لطيف في غاية الحسن وهو موجود بأيدي الناس‏.‏

ومن شعره قصيدته المشهورة‏:‏ الخفيف حملته الرياح أسرار عرف أودعتها السحائب الهطاله يا خليلي وللخليل حقوق واجبات الأحوال في كل حاله سل عقيق الحمى وقل إذ تراه خاليًا من ظبائه المختاله أين تلك المراشف العسلي - - ات وتلك المعاطف العساله وليال قضيتها كلال بغزال تغار منه الغزاله بابلي الألحاظ والريق والأل - - فاظ كل مدامة سلساله من بني الترك كلما جذب القو - - س رأينا في برجه بدر هاله أوقع الوهم حين يرمي فلم ند - - ر يداه أم عينه النباله قلت لما لوى ديون وصالي وهو مثر وقادر لا محاله بيننا الشرع قال سر بي فعندي من صفاتي لكل دعوى دلاله وشهودي من خال خدي ومن قد - - ي شهود معروفة بالعداله أنا وكلت مقلتي في دم الخل - - ق فقالت‏:‏ قبلت هذي الوكاله وأثيلات النقا من لعلع يا خليلي قف على الدار معي وتأمل كم بها من مصرع واحترز واحذر فأحداق الدمى كم أراقت في رباها من دم حظ قلبي في الغرام الوله فعذولي فيه ما لي وله حسبي الليل فما أطوله لم يزل آخره أوله في هوى أهيف معسول اللمى ريقه كم قد شفى من ألم وله في القمار‏:‏ الرجز ينشرح الصدر لمن لاعبني والأرض بي ضيقة فروجها كم شوشت شهوتها عقلي وكم عهدًا سقتني عامدًا بنوجها الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي القاضي شمس الدين علي بن محمود الشهرزوري مدرس القيمرية في شوال‏.‏

والشيخ قطب الدين أحمد بن عبد السلام بن أبي عصرون بحلب في جمادى الآخرة‏.‏

والإمام شمس الدين محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني الحنبلي في جمادى الأولى‏.‏

والشهاب محمد بن يوسف بن مسعود التلعفري الشاعر بحماة في شوال وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏

سلطنة الملك السعيد محمد ابن الملك الظاهر بيبرس على مصر هو السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد المدعو بركة خان ابن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري الصالحي النجمي الخامس من ملوك الترك بمصر‏.‏

سمي بركة خان على اسم جده لأمه بركة خان بن دولة خان الخوارزمي‏.‏

تسلطن الملك السعيد هذا في حياة والده حسب ما ذكرناه في ترجمة والده في يوم الخميس تاسع صفر سنة سبع وستين وستمائة‏.‏

وأقام على ذلك سنين وليس له من السلطنة إلا مجرد الاسم إلى أن توفي أبوه الملك الظاهر بيبرس في يوم الخميس بعد صلاة الظهر التاسع والعشرين من المحرم من سنة ست وسبعين وستمائة بدمشق‏.‏

اتفق رأي الأمراء على إخفاء موت الظاهر وكتب الأمير بيليك الخازندار عرف الملك السعيد هذا بذلك على يد الأمير بدر الدين بكتوت الجوكندار الحموي وعلى يد الأمير علاء الدين أيدغمش الحكيمي الجاشنكير‏.‏

فلما بلغ الملك السعيد موت والده الملك الظاهر أخفاه أيضا وخلع عليهما وأعطى كل واحد منهما خمسين ألف درهم على أن ذلك بشارة بعود السلطان إلى الديار المصرية‏.‏

وسافرت العساكر من دمشق إلى جهة الديار المصرية فدخلوها يوم الخميس سادس عشرين صفر من سنة ست وسبعين وستمائة ومقدمهم الأمير بدر الدين بيليك الخازندار ودخلوا مصر وهم يخفون موت الملك الظاهر في الصورة الظاهرة وفي صدر الموكب مكان تسيير السلطان تحت العصائب محفة وراءها السلحدارية والجمدارية وغيرهم من أرباب الوظائف توهم أن السلطان في المحفة مريض هذا مع عمل جد في إظهار ناموس السلطنة والحرمة للمحفة والتأدب مع من فيها حتى تم لهم ذلك‏.‏

قلت‏:‏ لله درهم من أمراء وحاشية ولو كان ذلك في عصرنا هذا ما قدر الأمراء على إخفاء ولما وصلوا إلى قلعة الجبل ترجل الأمراء والعساكر بين يدي المحفة كما كانت العادة في الطريق في كل منزلة من حين خروجهم من دمشق إلى أن وصلوا إلى قلعة الجبل من باب السر وعند دخولها إلى القلعة اجتمع الأمير بدر الدين بيليك الخازندار بالملك السعيد هذا وكان الملك السعيد لم يركب لتلقيهم وقبل الأرض ورمى بعمامته ثم صرخ وقام العزاء في جميع القلعة ولوقتهم جمعوا الأمراء والمقدمين والجند وحلفوهم بالإيوان المجاور لجامع القلعة للملك السعيد واستثبت له الأمر على هذه الصورة وخطب له يوم الجمعة سابع عشرين صفر بجوامع القاهرة ومصر وصلي على والده صلاة الغائب‏.‏

ومولد الملك السعيد هذا في صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة وقيل‏:‏ سنة سبع وخمسين بالعش من ضواحي مصر ونشأ بديار مصر تحت كنف والده إلى أن سلطنه في حياته كما تقدم ذكره‏.‏

وأما الأمير بدر الدين بيليك الخازندار فإنه لم تطل مدته ومات في ليلة الأحد سابع شهر ربيع الأول‏.‏

وخلع الملك السعيد على الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني بنيابة السلطنة عوضًا عن بيليك الخازندار المذكور‏.‏

وفي سادس عشر شهر ربيع الأول يوم الأربعاء ركب السلطان الملك السعيد من القلعة تحت العصائب على عادة والده وسار إلى تحت الجبل الأحمر وهذا أول ركوبه بعد قدوم العسكر ثم عاد وشق القاهرة وسر الناس به سرورًا زائدًا وكان عمره يومئذ تسع عشرة سنة وطلع القلعة وأقام إلى يوم الجمعة خامس وعشرين شهر ربيع الأول المذكور قبض على الأمير سنقر الأشقر وعلى الأمير بدر الدين بيسري وحبسهما بقلعة الجبل‏.‏

ثم في يوم السبت ثامن عشر شهر ربيع الآخر قبض الملك السعيد على الأمير آق سنقر الفارقاني نائب السلطنة بديار مصر المقدم ذكره‏.‏

ثم في تاسع عشر الشهر المذكور أفرج الملك السعيد عن الأمير سنقر الأشقر وبيسري وخلع عليهما وأعادهما إلى مكانتهما‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع جمادى الأولى فتحت المدرسة التي أنشأها الأمير آق سنقر الفارقاني المجاورة للوزيرية بالقاهرة وجعل شيخها على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه‏.‏

وفي يوم الجمعة خامس عشريه قبض الملك السعيد على خاله الأمير بدر الدين محمد ابن الأمير حسام الدين بركة خان الخوارزمي وحبسه بقلعة الجبل لأمر نقمه عليه ثم أفرج عنه في ليلة خامس عشرينه وخلع عليه وأعاده إلى منزلته‏.‏

وكان الملك السعيد هذا أمر ببناء مدرسة لدفن أبيه فيها حسب ما أوصى به والده فنقل تابوت الملك الظاهر بيبرس في ليلة الجمعة خامس شهر رجب من قلعة دمشق إلى التربة المذكورة بدمشق داخل باب الفرج قبالة المدرسة العادلية والتربة المذكورة كانت دار الشريف العقيقي فاشتريت وهدمت وبنى موضع بابها قبة الدفن وفتح لها شبابيك على الطريق وجعل بقبة الدار مدرسة على فريقين‏:‏ حنفية وشافعية‏.‏

وكان دفنه بها في نصف الليل ولم يحضره سوى الأمير عز الدين أيدمر الظاهري نائب الشام ومن الخواص دون العشرة لا غير‏.‏

ثم وقع الاهتمام إلى السفر للبلاد الشامية وتجهز السلطان والعساكر‏.‏

فلما كان يوم السبت سابع ذي القعدة برز الملك السعيد بالعساكر من قلعة الجبل إلى مسجد التبن خارج القاهرة فأقام به إلى يوم السبت حالي عشرينه انتقل بخواصه إلى الميدان الذي أنشأه بين مصر والقاهرة ودخلت العساكر إلى منازلهم وبطلت حركة السفر بعد أن أعاد قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان إلى قضاء دمشق وأعمالها من العريش إلى سلمية وتوجه ابن خلكان إلى الشام وطلع الملك السعيد إلى قلعة الجبل وأبطل حركة السفر بالكلية إلى وقت يريده حسب ما وقع الاتفاق عليه واستمر بالقلعة إلى أن أمر العساكر بالتأهب إلى السفر وتجهز هو أيضًا لأمر اقتضى ذلك‏.‏

وخرج من الديار المصرية في العشر الأوسط من ذي القعدة من سنة سبع وسبعين وستمائة وخرج من القاهرة بعساكره وأمرائه وسار حتى وصل إلى الشام في خامس ذي الحجة فخرج أهل دمشق إلى ملتقاه وزينوا له البلد وسروًا بقدومه سرورًا زائدًا‏.‏

وعمل عيد النحر بقلعة وورد عليه الخبر بموت الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم بن حنا بالقاهرة فقبض السلطان على حفيده الصاحب تاج الدين محمد وضرب الحوطة على موجوده بسبب موت جده الصاحب بهاء الدين المذكور‏.‏

ثم أرسل السلطان الملك السعيد إلى برهان الدين الخضر بن الحسن السنجاري باستقراره وزيرًا بالديار المصرية ثم خلع السلطان على الصاحب فتح الدين عبد الله بن القيسراني بوزارة دمشق وبسط يده في بلاد الشام وأمر القضاة وغيرهم بالركوب معه‏.‏

ثم جهز السلطان العساكر إلى بلاد سيس للنهب والإغارة ومقدمهم الأمير سيف الدين قلاوون الألفي‏.‏

وأقام الملك السعيد بدمشق في نفر يسير من الأمراء والخواص فصار في غيبة العسكر يكثر التردد إلى الربعية من قرى المرج يقيم فيها أيامًا ثم يعود‏.‏

ثم أسقط السلطان ما كان قرره والده الملك الظاهر على بساتين دمشق في كل سنة فسر الناس بذلك وتضاعفت أدعيتهم له واستمر السلطان بدمشق إلى أن وقع الخلف في العشر الأوسط من شهر ربيع الأول من سنة ثمان وسبعين بين المماليك الخاصكية الملازمين لخدمته وبين الأمراء لأمور يطول شرحها‏.‏

وعجز الملك السعيد عن تلافي ذلك وخرج عن طاعته الأمير سيف الدين كويدك الظاهري نائب السلطنة ومقدم العساكر مغاضبًا للسلطان الملك السعيد وخرج معه نحو أربعمائة مملوك من الظاهرية‏:‏ منهم جماعة كثيرة مشهورة بالشجاعة ونزلوا بمنزلة القطيفة في انتظار العساكر التي ببلاد سيس ففي العشر الأخير من شهر ربيع الأول عادت العساكر من بلاد سيس إلى جهة دمشق فنزلوا بمرج عذراء إلى القصير وكان قد اتصل بهم سيف الدين كوندك ومن معه واستمالوهم فلم يدخل العسكر دمشق وأرسلوا إلى الملك السعيد في معنى الخلف الذي حصل بين الطائفتين وكان كوندك مائلًا إلى الأمير بيسري‏.‏

ولما اجتمع بالأمير سيف الدين قلاوون الألفي والأمير بدر الدين بيسري والأمراء الكبار أوحى إليهم عن السلطان ما غلت صدورهم وخوفهم من الخاصكية وعرفهم أن نيتهم لهم غير جميلة وأن الملك السعيد موافق على ذلك وأكثر من القول المختلق فوقع الكلام بين الأمراء الكبار وبين السلطان الملك السعيد وترددت الرسل بينهم فكان من جملة ما اقترح الأمراء على الملك السعيد إبعاد الخاصكية عنه وألا يكون لهم في الدولة تدبير ولا حديث بل يكونوا على أخبارهم ووظائفهم مقيمين فلم يجب الملك السعيد إلى ذلك نرحل العسكر من مرج عذراء إلى ذيل عقبة الشحورة بأسرهم ولم يعبروا المدينة بل جعلوا طريقهم من المرج وأقاموا بهذه المنزلة ثلاثة أيام والرسل تتردد بينهم وبين الملك السعيد ثم رحلوا ونزلوا بمرج الصفر وعند رحيلهم رجع الأمير عز الدين أيدمر الظاهري نائب الشام وأكثر عسكر دمشق وقدموا مدينة دمشق ودخلوا في طاعة السلطان‏.‏

وفي يوم رحيلهم من مرج الصفر سير الملك السعيد والدته بنت بركة خان في محفة وفي خدمتها الأمير شمس الدين قراسنقر وكان من الذين لم يتوجهوا إلى بلاد سيس ولحقوا العسكر فلما سمعوا بوصولها خرج الأمراء الأكابر المقدمون لملتقاها وترجلوا بأجمعهم وقبلوا الأرض أمام المحفة وبسطوا الحرير العتابي وغيره تحت حوافر بغال المحفة ومشوا أمام المحفة حتى نزلت في المنزلة فلما استقرت بها تحدثت معهم في الصلح والانقياد واجتماع الكلمة فذكروا ما بلغهم من تغير السلطان عليهم وموافقته الخاصكية على ما يرومونه من إمساكهم وإبعادهم فحلفت لهم على بطلان ما نقل إليهم فاشترطوا شروطًا كثيرة التزمت لهم بها وعادت إلى ولدها وعرفته الصورة فمنعه من حوله من الخاصكية من الدخول تحت تلك الشروط وقالوا‏:‏ ما القصد إلا إبعادنا عنك حتى يتمكنوا منك وينزعوك من الملك فمال إلى كلامهم وأبى قبول تلك الشروط‏.‏

فلما بلغ العسكر ذلك رحل من مرج الصفر قاصدًا الديار المصرية فخرج السلطان الملك السعيد بنفسه فيمن معه من الخاصكية جريدة وساق في طلبهم ليتلافى الأمر إلى أن بلغ رأس الماء فوجدهم قد عموه وأبعدوا فعاد من يومه ودخل قلعة دمشق في الليل وهي ليلة الخميس سلخ شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة‏.‏

وأصبح في يوم الجمعة مستهل شهر ربيع الآخر خرج السلطان الملك السعيد بجميع من تخلف معه من العساكر المصرية والشامية إلى جهة الديار المصرية بعد أن صلى الجمعة بها وسار بمن معه في طلب العساكر المقدم ذكرهم وجهز والدته وخزائنه إلى الكرك وسار حتى وصل إلى بلبيس يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر المذكور فوجد العسكر قد سبقه إلى القاهرة فأمر بالرحيل من بلبيس فلما أخذت العساكر في الرحيل من بلبيس بعد العصر فارق الأمير عز الدين أيدمر الظاهري نائب الشام وصحبته أكثر أمراء دمشق السلطان الملك السعيد وانضاف إلى المصريين وبلغ الملك السعيد ذلك فلم يكترث وركب بمن بقي معه من خواصه وعساكره وسار بهم حتى وصل ظاهر القاهرة وكان نائبه بالديار المصرية الأمير عز الدين أيبك الأفرم وهو بقلعة الجبل والعساكر محدقة بها فتقدم الملك السعيد بمن معه لقتال العساكر وكان الذي بقي مع السلطان الملك السعيد جماعة قليلة بالنسبة إلى من يقاتلونه ووقع المصاف بينهم وتقاتلوا فحمل الأمير سنجر الحلبي من جهة الملك السعيد وشق الأطلاب ودخل إلى قلعة الجبل بعد أن قتل من الفريقين نفر يسير وملك القلعة وشال علم السلطان ثم نزل وفتح للملك السعيد طريقًا وطلع به إلى القلعة‏.‏

وأما سنقر الأشقر فإنه بقي في المطرية وحده وصار لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء‏.‏

ولما طلع السلطان إليها أحاطت العساكر بها وحاصروها وقاتلوا من بها قتالًا شديدًا وضايقوها وقطعوا الماء الذي يطلع إليها وزحفوا عليها فجدوا في القتال ورأى الملك السعيد تخلي من كان معه وتخاذل من بقي من الخاصكية وعلم أنه لا طاقة له بهم وكان المشار إليه في العسكر المخامر الأمير سيف الدين قلاوون الألفي وهو حمو الملك السعيد فإن الملك السعيد كان تزوج ابنته قبل ذلك بمدة فجرت المراسلات بينهم وكثر الكلام وترددت الرسل غير مرة حتى استقر الحال على أن الملك السعيد يخلع من السلطنة وينضبون في السلطنة أخاه بدر الدين سلامش ابن الملك الظاهر بيبرس ويقطعون الملك السعيد هذا وأخاه نجم الدين خضرا الكرك والشوبك وأعمالهما فسير الملك السعيد الأمير علم الدين سنجر الحلبي والقاضي تاج الدين محمد بن الأثير إلى الأمير سيف الدين قلاوون وأعيان الأمراء ليستوثق لنفسه منهم فحلفوا على الوفاء بما ألتزموه من إعطاء الكرك والشوبك له ولأخيه‏.‏

وخرج من قلعة الجبل يوم الأحد سابع عشر شهر ربيع الآخر المذكور ونزل إلى دار العدل التي على باب القلعة وكانت مركز الأمير قلاوون في حال المصاف والقتال وكان الحصار ثلاثة أيام بيوم القدوم لا غير‏.‏

ولما حضر الملك السعيد إلى عند قلاوون أحضر أعيان القضاة والأمراء والمفتين وخلعوا الملك السعيد هذا من السلطنة وسلطنوا مكانه أخاه بدر الدين سلامش ولقبوه بالملك العادل سلامش وعمره يومئذ سبع سنين وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي النجمي‏.‏

واستمرت بنت قلاوون عند زوجها الملك السعيد المذكور إلى ما سيأتي ذكره‏.‏

ثم أخذ قلاوون في تحليف الأمراء للملك العادل فحلفوا بأجمعهم على العادة وضربت السكة في أحد الوجهين‏:‏ اسم الملك العادل والآخر اسم قلاوون وخطب لهما أيضا معًا على المنابر واستمر الأمر على ذلك وتصرف قلاوون في المملكة والخزائن وعامله الأمراء والجيوش بما يعاملون به السلطان‏.‏

ثم عمل قلاوون بخلع الملك السعيد محضرًا شرعيًا ووضع الأمراء خطوطهم عليه وشهادتهم فيه وكتب فيه المفتون والقضاة وأعطوا الملك السعيد الكرك وعملها وأخاه نجم الدين خضرًا الشوبك وعملها‏.‏

وخرج الملك السعيد من قلعة الجبل إلى بركة الحجاج متوجهًا إلى الكرك في يوم الاثنين ثامن عشر شهر ربيع الآخر المذكور من سنة ثماني وسبعين - أعني ثاني يوم من خلعه - ومعه جماعة من العسكر صورة ترسيم ومقدمهم الأمير سيف الدين بيدغان الركني ثم بدا لهم أن يرجعوا به إلى القلعة فعادوا إليها في نهار الاثنين لأمر أرادوه وقرروه معه ثم أمروه بالتوجه فخرج وسافر ليلة الثلاثاء إلى الكرك بمن معه فوصلها يوم الاثنين خامس عشرين شهر ربيع الآخر المذكور وتسلم أخوه نجم الدين خضر الشوبك وكان الأمير بيدغان ومن معه قد فارقوا الملك السعيد من غزة ورجعوا إلى الديار المصرية وأقام الملك السعيد بالكرك وزال ملكه فكانت مدة حكمه وسلطنته بعد موت أبيه الملك الظاهر بيبرس إلى يوم خلعه سنتين وشهرين وخمسة عشر يومًا واستمر بالكرك مع مماليكه وعياله وقصده الناس والأجناد فصار ثم رسم الأمير سيف الدين قلاوون بانتقال الملك خضر من الشوبك إلى عند أخيه الملك السعيد بالكرك وتسلم نواب قلاوون الشوبك ودام الملك السعيد على ذلك حتى خلع سلامش من السلطنة وتسلطن قلاوون حسب ما يأتي ذكر ذلك كله في ترجمتهما‏.‏

فلما تسلطن قلاوون بلغه عن الملك السعيد أنه استكثر من استخدام المماليك وأنه ينعم على من يقصده فاستوحش منه وتأثر من ذلك‏.‏

فمرض الملك السعيد بعد ذلك بمدة يسيرة وتوفي رحمه الله تعالى في يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وستمائة بالكرك ودفن من يومه بأرض مؤتة عند جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ثم نقل بعد ذلك إلى دمشق في سنة ثمانين وستمائة فدفن إلى جنب والده الملك الظاهر بيبرس بالتربة التي أنشأها قبالة المدرسة العادلية السيفية وألحده قاضي القضاة عز الدين محمد بن الصائغ‏.‏

وكانت مدة إقامته بالكرك بعد أن خلع من السلطنة ستة أشهر وخمسة وعشرين يومًا‏.‏

ووجد الناس عليه كثيرًا وعمل عزاؤه بسائر البلاد وخرجت الخوندات حاسرات بجواريهن يلطمن بالملاهي والدفوف أيامًا عديدة ويسمعن الملك المنصور قلاوون الكلام الخشن وأنواع السب وهو لا يتكلم فإنه نسب إليه أنه اغتاله بالسم لما سمع كثرة استخدامه للمماليك وغيرهم‏.‏

قلت‏:‏ ولا يبعد ذلك عن الملك المنصور قلاوون لكثرة تخوفه عظم شوكته وكثرة مماليك والده وحواشيه‏.‏

وأبغض الناس الملك المنصور قلاوون سنينًا كثيرة إلى أن أرضاهم بكثرة الجهاد والفتوحات وأبغض الملك المنصور قلاوون حتى ابنتته زوجة الملك السعيد المذكور فإنها وجدت على زوجها الملك السعيد وجدًا عظيمًا وتألمت لفقده ولم تزل باكية عليه حزينة لم لتزوج بعده إلى أن توفيت بعد زوجها الملك السعيد بمدة طويلة في مستهل شهر رجب سنة سبع وثمانين وستمائة‏.‏

وكانت شقيقة الملك الأشرف خليل بن قلاوون ودفنت في تربة معروفة بوالدها بين مصر والقاهرة‏.‏

وصلي على الملك السعيد بدمشق صلاة الغائب يوم الجمعة رابع وعشرين ذي الحجة‏.‏

ثم أنعم الملك المنصور بالكرك بعد موته على أخيه خضر ولقب بالملك المسعود خضر‏.‏

وكان الملك السعيد رحمه الله سلطانًا جليلًا كريمًا سخي الكف كثير العدل في الرعية محسنًا للخاص والعام لا يرد سائلًا ولا يخيب آملًا وكان متواضعًا بشوشًا حسن الأخلاق ليس في طبعه عسف ولا ظلم كثير الشفقة والرحمة على الناس لين الكلمة محبًا لفعل الخير قليل الحجاب على الناس يتصدى للأحكام بنفسه وكان لا يميل لسفك الدماء مع قدرته على ذلك وكان يوم دخوله إلى قلعة الجبل ولد له مولود ذكر من بعض حظاياه في شهر ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

وكان يحب التجمل ويكثر من الإنعام على الناس ويخلع حتى في الأعزية‏.‏

ولما مات خاله الأمير بدر الدين محمد بن بركة خان بن دولة خان وكان من أعيان الأمراء بالديار المصرية في الدولة الظاهرية وكان حصل له عند إفضاء الملك لابن أخته الملك السعيد تقدم كبير ومكانة عالية وتوجه معه إلى دمشق فمرض بها إلى أن توفي ليلة الخميس تاسع شهر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون بالتربة المجاورة لرباط الملك الناصر صلاح الدين يوسف ومقدار عمره خمسون سنة عمل له عدة أعزية وقرئ بالتربة عدة ختمات حضر إحداها ابن أخته الملك السعيد ومد خوان فيه من عظيم فاخر الأطعمة والحلاوات فأكل من حضر وخلع الملك السعيد على الدولة ومماليكه وخواصه وهو في العزاء فلبسوا الخلع وقبلوا الأرض وكانت الخلع خارجة عن الحد‏.‏

فهذا أيضًا مما يدل على كرمه ووسع نفسه وكثرة إنعامه حتى في الأعزية رحمه الله تعالى‏.‏

انتهت ترجمة الملك السعيد‏.‏

ويأتي ذكر حوادث سنين سلطنته على عادة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

السنة الأولى من سلطنة السعيد محمد بركة خان على مصر فيها توفي الشيخ كمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الإسكندري المقرئ كان عارفًا بالقراءات وانتفع به خلق كثير وتولى نظر حبس دمشق ونظر بيت المال بها مضافًا إلى نظر الحبس وباشر عدة وظائف دينية‏.‏

ومات في صفر‏.‏

وكان رئيسًا فاضلًا‏.‏

وفيها توفي الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله المحمدي الصالحي النجمي كان من أعيان الأمراء ومن أكابرهم وكان الملك الظاهر بيبرس يخافه فحبسه مدة طويلة ثم أفرج عنه فمات في شهر ربيع الأول ودفن بتربته بالقرافة الصغرى‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله الموصلي الظاهري نائب السلطنة بحمص وكان ولي حمص مدة ثم عزله الملك الظاهر عنها ونفاه إلى حصن الأكراد وكان شجاعًا مقدامًا‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله الدمياطي الصالحي النجمي أحد أكابر الأمراء المقدمين على الجيوش كان قديم الهجرة بينهم في علو المنزلة وسمو المكانة وكان الملك الظاهر أيضًا حبسه مدة طويلة ثم أطلقه وأعاده إلى مكانته‏.‏

ومات بالقاهرة في شعبان ودفن بتربته التي أنشأها بين القاهرة ومصر في القبة المجاورة لحوض السبيل المعروف به‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله العلائي نائب قلعة صفد حضر بعد موت الملك الظاهر إلى القاهرة ومات بها ودفن بالقرافة الصغرى وكان دينًا عفيفًا أمينًا وهو أخو الأمير وفيها توفي الأمير بدر الدين بيليك بن عبد الله الظاهري الخازندار نائب السلطنة بالديار المصرية بل بالممالك كفها‏.‏

قد تقدم من ذكره نبذة جيدة في عدة مواطن وهو الذي أخفى موت الملك الظاهر حتى قدم به إلى مصر حسب ما تقدم ذكره وكانت وفاته بالقاهرة في سادس شهر ربيع الأول بقلعة الجبل ودفن بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى وحزن الناس عليه خزنًا شديدًا حتى شمل مصابه الخاص والعام وعمل عزاؤه بالقاهرة ثلاثة أيام في الليل بالشموع وأنواع الملاهي‏:‏ وصدع موته القلوب وأبكى العيون وقيل‏:‏ إنه مات مسمومًا وكان عمره خمسًا وأربعين سنة ومحاسنه كثيرة يطول الشرح في ذكرها‏.‏

وفيها توفي الشيخ المعتقد خضر بن أبي بكر بن موسى أبو العباس المهراني العدوي كان أصله من قرية المحمدية من أعمال جزيرة ابن عمر وهو شيخ الملك الظاهر بيبرس وصاحب الزاوية التي بناها الملك الظاهر بالحسينية على الخليج بالقرب من جامع الظاهر‏.‏

وقد تقدم من ذكره في ترجمة الملك الظاهر ما يغني عن الإعادة هاهنا‏.‏

وكان الشيخ خضر بشر الملك الظاهر قبل سلطنته بالملك فلما تسلطن صار له فيه العقيمة العظيمة حتى إنه كان ينزل إليه في الجمعة المرة والمرتين وكان يطلعه على غوامض أسراره ويستشيره في أموره ويستصحبه في أسفاره وفيه يقول الشريف محمد بن رضوان الناسخ‏:‏ الكامل ولنا دليل واضح كالشمس في وسط السماء بكل عين تنظر لما رأينا الخضر يقدم جيشه أبدًا علمنا أنه الإسكندر وكان الشيخ يخبر الملك الظاهر بأمور قبل وقوعها فتقع على مما يخبره ثم تغير الملك الظاهر عليه لأمور بلغته عنه وأحضر السلطان من حاققه وذكروا عنه من القبائح ما لم يصدر عن مسلم والله أعلم بصحة ذلك فاستشار الملك الظاهر الأمراء في أمره فمنهم من أشار بقتله ومنهم من أشار بحبسه فمال الظاهر إلى قتله ففهم خضر فقال للظاهر‏:‏ اسمع ما أقول لك إن أجلي قريب من أجلك وبيني وبينك مدة أيام يسيرة فمن مات منا لحقه صاحبه عن قريب فوجم الملك الظاهر وكف عن قتله فحبسه في مكان لا يسمع له فيه حديث وكان حبسه في شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة وتوفي يوم الخميس أو في ليلة الجمعة سادس المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ودفن بزاويته بالحسينية‏.‏

وكان الملك الظاهر بدمشق فلما بلغه موته اضطرب وخاف على نفسه من الموت لما كان قال له الشيخ خضر‏:‏ إن أجله قريب فمرض الظاهر بعد أيام يسيرة ومات فكان بين الشيخ خضر وبين الملك الظاهر دون الشهر‏.‏

انتهى‏.‏

وفيها توفي شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرى بن الحسن بن الحسين النووي الفقيه الشافعي الحافظ الزاهد صاحب المصنفات المشهورة‏.‏

ولد في العشر الأوسط من قلت‏:‏ وفضله وعلمه وزهده أشهر من أن يذكر‏.‏

وقد ذكرنا من أمره نبذة كبيرة في تاريخنا لا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي إذ هو كتاب تراجم يحسن الإطناب فيه‏.‏

انتهى‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الملك القاهر عبد الملك ابن المعظم عيسى ابن العادل أبي بكر بن أيوب في المحرم مسمومًا‏.‏

والسلطان الملك الظاهر ركن الدين الصالحي بيبرس في أواخر المحرم بالقصر الأبلق وله بضع وخمسون سنة‏.‏

وكمال الدين إبراهيم بن الوزيري نجيب الدين أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن فارس التميمي الكاتب المقرئ في صفر وله ثمانون سنة‏.‏

والواعظ نجم الدين علي بن علي بن إسفنديار بدمشق في رجب وله خمس وأربعون سنة وأشهر‏.‏

وبيليك الظاهري الخازندار نائب مصر‏.‏

والصاحب معين الدين سليمان بن علي البرواناه الرومي قتله أبغا في المحرم‏.‏

والشيخ خضر بن أبي بكر العدوي شيخ السلطان‏.‏

والشيخ الإمام شمس الدين محمد ابن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور قاضي القضاة أبو بكر وأبو عبد الله المعروف بابن العماد الحنبلي في المحرم بمصر‏.‏

والقاضي تقي الدين محمد بن حياة الرقي قاضي حلب بتبوك في المحرم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏

وهي سنة سبع وسبعين وستمائة‏.‏

فيها توفي الشيخ الإمام زين الدين أبو العباس إبراهيم بن أحمد بن أبي الفرج الدمشقي الحنفي المعروف بابن السديد إمام مقصورة الحنفية شمالي جامع دمشق وناظر وقفها‏.‏

كان إمامًا فقيهًا دينًا كثير الخير غزير المروءة‏.‏

مات في جمادي الأولى ببستانه بالمزة ودفن بسفح قاسيون‏.‏

وفيها توفي الأمير شمس الدين آق سنقر بن عبد الله الفارقاني كان أصله من مماليك الأمير نجم الدين حاجب الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام ثم انتقل إلى ملك السلطان الملك الظاهر بيبرس وتقدم عنده وجعله أستادارًا كبيرًا‏.‏

وكان للملك الظاهر عدة أستادارية وكان الملك الظاهر كثير الوثوق به في أموره ويستنيبه في غيبته وبقدمه على عساكره ولما صار الأمر إلى الملك السعيد جعله نائبه لسائر الممالك بعد بيليك الخازندار فلما ثارت الخاصكية قبضوا عليه وقتلوه وقيل إنه بقي في هذه السنة والأصح أنهم قبضوا عليه وسجنوه إلى أن مات في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

وكان أميرًا كبيرًا جسيمًا شجاعًا مقدامًا مهابًا ذا رأي وتدبير وعقل ودهاء كثير البر والصدقات عالي الهمة وله مدرسة عند داره داخل باب سعادة بالقاهرة‏.‏

وفيها توفي الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله النجيبي الصالحي النجمي الأيوبي كان مقربًا عند أستاذه الملك الصالح وولاه استادارًا وكان كثير الاعتماد عليه‏.‏

ثم ولاه الملك الظاهر بيبرس نيابة دمشق فأقام بها تسع سنين ثم عزله وتركه بطالًا بالقاهرة إلى أن مات بها في ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر بداره بدرب ملوخيا من القاهرة ودفن يوم الجمعة بتربته بالقرافة الصغرى‏.‏

وفيها توفي الشيخ جمال الدين طه بن إبراهيم بن أبي بكر بن أحمد بن بختيار الهذباني الإربلي كان عنده فضيلة وأدب ورياسة وله يد في النظم‏.‏

ومات في جمادى الأولى‏.‏

ومن شعره في النهي عن النظر في النجوم‏:‏ البسيط دع النجوم لطرقي يعيش بها وبالعزيمة فانهض أيها الملك إن النبي وأصحاب النبي نهوا عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا وفيها توفي قاضي القضاة مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن هبة الله العقيلي الحلبي الحنفي ابن الصاحب كمال الدين عمر بن العديم‏.‏

كان إمامًا عالمًا فاضلًا كبير الديانة والورع كان جمع بين العليم والعمل والرياسة ولي قضاء دمشق مع عدة تداريس ولم يزل قاضيًا إلى أن توفي بظاهر دمشق بجوسقه الذي على الشرف القبلي في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر ربيع الآخر ودفن في تربة أنشأها قبالة الجوسق المذكور‏.‏

ومن شعره ما كتبه لخاله عون الدين أمولاي عون الدين يا راويًا لنا حديث المعالي عن عطاء ونافع بعيشك حدثني حديث ابن مالك فأنت له يا مالكي خير شافع وفيها توفي الشيخ موفق الدين أبو محمد عبد الله بن عمر بن نصر الله الأنصاري كان أديبًا فاضلًا‏.‏

قال الشيخ قطب الدين اليونيني في الذيل على المرآة‏:‏ صاحبنا كان أديبًا فاضلًا مقتدرًا على النظم وله مشاركة في علوم كثيرة منها‏:‏ الكحل والطب وغير ذلك من الفقه والنحو والأدب ويعظ الناس حلو النادرة حسن المحاضر‏.‏

انتهى كلام قطب الدين‏.‏

قلت‏:‏ ومن شعره‏:‏ السريع قلبي وطرفي في ديارهم هذا يهيم بها وذا يهدي رسم الهوى لما وقفت بها للدمع أن يجري على الرسم وفيها توفي الأديب نجم الدين أبو المعالي محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل الشيباني الدمشقي المولد والدار والوفاة كان أديبًا فاضلًا قادرًا على النظم صوفيًا‏.‏

وقد ذكرنا حكايته مع الشهاب الخيمي لما ادعى كل منهما القصيدة البائية التي أولها‏:‏ البسيط يا مطلبًا ليس لي في غيره أرب وتداعيا عند الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض فأمر ابن الفارض أن يعمل كل منهما قصيدة على الوزن والقافية فعملا ذلك فحكم ابن الفارض بالقصيدة للشهاب الخيمي‏.‏

وقد ذكرنا القصائد الثلاث في المنهل الصافي في ترجمة شهاب الدين الخيمي‏.‏

وابن إسرائيل هذا ممن تكلموا فيه ورموه بالاتحاد‏.‏

والله أعلم بحاله‏.‏

ومن شعر ابن إسرائيل هذا على مذهب القوم‏:‏ الطويل خلا منه طرفي وامتلا منه خاطري فطرفي له شاك وقلبي شاكر ولو أنني أنصفت لم تشك مقلتي بعادا ودارات الوجود مظاهر وله أيضا‏:‏ الرجز يا من تناءى وفؤادي داره مضناك قد أقلقه تذكاره صددت عنه قبل ما وصلته وكان قبل سكره خماره وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة مجد الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي الأديب الفقيه الحنفي المعروف بابن الظهير‏.‏

مولده بإربل في ثاني صفر سنة اثنتين وستمائة ونشأ بها وطلب العلم وتفقه وبرع في الفقه والأصول والعربية وقدم دمشق وتصدى بها للإقراء والتدريس ودرس بالقايمازية بدمشق وهو من أعيان شيوخ الأدب وفحول المتأخرين وله ديوان شعر وسمع الحديث ببغداد من أبي بكر بن الخازن والكاشغري وبدمشق من السخاوي وكريمة وتاج الدين ابن حمويه وروى عنه أبو شامة والقوصي والدمياطي والشهاب محمود وعليه تدرب في الأدب وأبو الحسين اليونيني والحافظ جمال الدين المزي‏.‏

ولما مات رثاه تلميذه الشهاب محمود بقصيدة أولها‏:‏ الطويل تمكن ليلي واطمأنت كواكبه وسدت على صبحي الغداة مذاهبه بكته معاليه ولم ير قبله كريم مضى والمكرمات نوادبه ومن شعر ابن الظهير‏:‏ الكامل‏:‏ قلبي وطرفي ذا يسيل دمًا وذا دون الورى أنت العليم بقرحه وهما بحبك شاهدان وإنما تعديل كل منهما في جرحه والقلب منزلك القديم فإن تجد فيه سواك من الأنام فنحه الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي الأديب نجم الدين محمد بن سوار بن إسرائيل الحريري الشاعر المشهور في شهر ربيع الآخر‏.‏

والإمام مجد الدين محمد بن أحمد بن عمر بن الظهير الحنفي الأديب في شهر ربيع الآخر أيضًا‏.‏

والأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني في الحبس في جمادى الأولى‏.‏

والأمير جمال الدين آقوش النجيبي بالقاهرة في شهر ربيع الآخر‏.‏

وشيخ الحنفية وقاضيهم الصدر سليمان بن أبي العز وهيب الحنفي في شعبان وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

والصاحب مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن أبي القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله العقيلي قاضي الحنفية في شهر ربيع الآخر وله ثلاث وستون سنة‏.‏

والوزير بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المصري بن حنا في ذي القعدة‏.‏

والمحدث ناصر الدين محمد بن عربشاه الهمذاني في جمادى الأولى‏.‏

والمحدث شهاب الدين أحمد بن محمد بن عيسى الجزري‏.‏

وأبو المرجى المؤمل بن محمد بن علي البالسي في رجب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وخمس أصابع‏.‏